الأحد 24 نوفمبر 2024

رواية ميثاق الحړب والغفران الفصل الحادي عشر بقلم ندى محمود توفيق

انت في الصفحة 1 من 5 صفحات

موقع أيام نيوز

ميثاق الحړب والغفران 
_ الفصل الحادي عشر _
فتحت عيناها بفزع وانتفضت جالسة فوق المقعد الذي لازمته منذ أمس وغفيت عليه دون أن تشعر تلفتت برأسها في أرجاء الغرفة ولم تجده فتنهدت مطولا براحة واعتدلت في جلستها ترفع كفها لعنقها تدلكه بلطف وهي تتمايل برأسها يمينا ويسارا بفعل الألم الذي يعصف بعظامها توقفت بعد لحظات وقادت خطواتها البطيئة تجاه الحمام لتغسل وجهها وبينما كانت بطريقها توقفت للحظة تتطلع بذلك الجلباب الأسود الذي ترتديه منذ أمس فتأففت وعادت مجددا لحقيبتها تفتحها وتخرج منها عباءة منزلية مطرزة باللون الأزرق وبأكمام واسعة وطويلة وأخرجت معها بقية ملابسها الداخلية وذهبت للحمام لكي تأخذ حماما دافيء داخلت وأغلقت الباب بإحكام خلفها تحسبا لوصوله بأي لحظة وقد قررت بأنها ستأخذ حماما سريعا قبل أن يعود. 

وقفت أسفل المياه ساكنة دون حركة تترك الماء تطهرها من الأيادي التي انهالت عليها تنوي قټلها دون ذنب تركتها تمحو الشوائب المبعثرة في نفسها المقهورة تنظفها لتعيدها لحالتها اللامعة مرة أخرى وتطرد عنها الأتربة التي كادت تملأها لرأسها وټخنقها.
خرجت من الحمام بعد دقائق قصيرة ثم توجهت نحو المرآة المعلقة في باب الخزانة وأخرجت فرشاة الشعر خاصتها وبدأت في تسريح شعرها وهي تتأمل ملامحها الذابلة لكنها مازالت تحتفظ ببأسها وقوتها رغم الحزن استقرت عيناها على شفتيها المتورمة وأسفل عيناها الذي يميل للأزرق فلمعت عيناها بالعبرات لكنها اسرعت وجففتهم رافضة المزيد من الضعف واستمرت يداها تسير بالفرشاة على شعرها بهدوء تام وملامح وجهها أصبحت جامدة فقط تتطلع لانعكاس صورتها ببرود.
انتبهت حواسها على أثر طرقة الباب الرقيقة ومن بعدها انفتح وظهرت من خلفه فريال التي دخلت وأغلقت الباب خلفها ثم تسمرت بأرضها تتطلع بآسيا وبوجهها في صدمة أن كان الشك يأكلها فالآن هي متيقنة أن الأمر لم يكن مجرد زواج من أجل إنهاء حرب بين عائلتين. 
رمقتها آسيا مطولا بثبات قبل أن تشيح بوجهها مجددا وتكمل تسريح شعرها وهي تهتف ببرود غريب 
_ إيه چاية تشمتي فيا يافريال.. بس عندك حق تشمتي أنا نفسي مش فاهمة كيف في يوم وليلة كل حاچة حصلت ولقيت نفسي في الآخر في بيت أبوكي البيت اللي رچلي حرمت تعتب عتبته من بعد ما أبويا اټقتل وكان بنسبالي محرم عليا وأخوكي اللي كنت بتوعدله ومبطيقش ابص في وشه اديني في اوضته دلوك
الذهول كان يستحوذ على فريال التي لا تحيد بنظرها عن آسيا تتمعن حالتها المزرية وتشتعر القهر في نبرة صوتها القوية رغم كل هذا فتقدمت منها بتريث ووقفت بجوراها تسألها بترقب 
_ عملتي إيه يا آسيا ! 
رمقتها بنظرة لا روح بها كأنها شبح يستعيد أنفاسه ليعود للحياة وقالت باسمة بشيطانية 
_ صدقيني أنا لغاية دلوك معملتش حاچة كل ده كان لعب عيال 
ضيقت عيناها باستغراب وقلق من كلماتها الغامضة فعادت تلقي عليها سؤال مختلف 
_ اتچوزتي عمران ليه وكيف جلال وافق أنا عارفاه زين مستحيل يوافق يرمي اخته عشان صلح!
ابتسمت آسيا ساخرة وردت بشراسة 
_ ليه متروحيش تسألي أخوكي أصله محرچ عليا متنفسش بدون أذنه ولو قولت حاچة يمكن يعلقلي حبل المشنقة 
كانت تتحدث بكل استهزاء تخبرها بخۏفها وأوامر أخيها لكن نبرتها ونظراتها تثبت العكس وأنها لا تكترث له.. فاشاحت فريال بوجهها عنها تتأفف بنفاذ صبر بعدما أدركت أنها لن تستطيع الحصول على معلومة مفيدة منها حول حقيقة زواجها هي وأخيها فقررت تسألها لآخر مرة لكن هذه المرة ونظرات ثاقبة 
_ وإيه اللي عمل في وشك إكده! 
تقوست ملامحها بضيق وردت مقتضبة 
_ وقعت من على السلم.. أنتي چاية تحققي معايا ولا إيه يافريال!! 
فريال بحزم 
_ مش بحقق يا آسيا لكن اللي بيحصل ده مش لادد عليا ومتوكدة أن في حاچة منعرفهاش.. اللي قصادي مش آسيا اللي أعرفها 
آسيا بنظرة ممېتة وجديدة تماما كلها جبروت
_ صح ومن إهنه ورايح هتشوفوا آسيا چديدة ملكيش صالح بيا وركزي على نفسك 
هتفت بتساءل وجدية 
_ اركز على نفسي في إيه!
آسيا في عين ثابتة ونبرة تضمر خلفها خبايا وأسرار 
_ يعني ارچعي لچوزك قبل ما تخسريه وتاچي تبكي وتولوي كيف الحريم اللي عچينها اتكب أنت أول واحدة هتندمي ويمكن محدش هيندم غيرك.. چلال مش هيقعد يبكي وراكي كيف الحريم حتى لو بيعشقك
انقبض قلب فريال وتوغل الخۏف له فراحت تسألها بعدم فهم واضطراب 
_ قصدك إيه يعني
ابتعدت آسيا عنها وردت بنظرة جانبية باردة 
_ مسيرك تفهمي قصدي لو فضلتي في صف أبوكي القاټل 
رغم الړعب الذي استحوذ عليها من إمكانية خسارتها لزوجها إلا أنها رفضت الاستماع لصوت قلبها مجددا ولم تكترث لكلام آسيا لترد عليها پغضب رافضة تصديقها 
_ شكل الحزن والضيق سيطر عليكي وبقيتي تخرفي أنا ماشية
انهت عباراتها واندفعت لخارج الغرفة تترك آسيا تتابعها ببسمة ساخرة وهي تنعتها بالحمقاء! . 
كان يجوب الغرفة إيابا وذهابا ودمائه تغلي في عروقه كلما يتذكر حديثه مع إبراهيم والذي انهاه برده عليه كالآتي ...
_ وأنا مش هطلق 
اتاه الرد الغاضب من إبراهيم 
_ كيف يعني مش هطلق!
هتف جلال برد مفحم وقاسې 
_ كيف ما سمعت طلاق مش هطلق وخلي بتك عندك طالما هي عاوزة تتطلق 
ولم يمهله اللحظة ليجيب عليه بل انهى الاتصال والقى بالهاتف على الفراش وهو يزفر النيران من بين شفتيه حتى الآن هو لا يصدق أنها تخلت عنه بكل هذه السهولة وتريد الانفصال الأبدي.. كان يقنع نفسه بالبداية أنها مجرد نوبة ڠضب وستمر ثم تعود له مجددا ورغم سخطه ونقمه على فعلتها إلا أنه كان على استعداد أن يسامحها أن عادت له نادمة واعتذرت عن خطأها لكن أتضح أنها ليست مجرد نوبة ڠضب بل هجر لم تخطأ دون وعي وبلحظة ضيق بل كانت عن عمد ومدركة تماما أنها تتركه بمنتصف الطريق وتهدم سور العشق والحياة التي أسسوها معا حثنت بكل وعودهم ودعست على قلبه وكبريائه وعشقه لها بقدمها.
توقف ثم رفع كفه يمسح على وجهه وهو يزفر أنفاسه الساخنة والموجوعة اقترب من الفراش وجذب هاتفه ومفاتحيه ثم دسهم بجيب جلبابه واندفع لخارج الغرفة بعدما حسم قراره الذي لا عودة منه.
نزل درجات السلم حتى وصل للطابق الأرضي فوجد أمه تجلس فوق الأريكة وتنظر من النافذة شاردة في المارة بالشارع أخذ نفسا عميقا وتقدم منها يجلس بجوارها ثم ينحنى ويلثم رأسها بحنو متمتما 
_ صباح الخير ياما 
التفتت له جليلة وابتسمت بدفء هاتفة 
_ صباح النور ياحبيبي 
احتضن جلال كف أمه وسألها باهتمام وخفوت 
_ كيفك دلوك
أجابت بهدوء مبتسمة ببعض الحزن 
_ زينة الحمدلله اطمن ياولدي 
هز رأسه بإماءة بسيطة وهو يردد الحمدلله ثم استحوذ عليه الصمت لبرهة من الوقت وهو يفكر مما أصابها بالريبة وسألته بتعجب وقلق  
_ في حاچة ولا إيه ياچلال!
خرج عن صمته وتطلع لأمه بثبات يجيبها بثبات  
_ بت ياسر الچزار هي اللي كنت عاوزاني اتچوزها 
اتسعت عيني جليلة پصدمة وراحت تتطلع في ابنها بعدم استيعاب ولم تجيبه فقط هزت رأسها بالإيجاب بسبب دهشتها فوجدته يكمل بنظرة كلها قسۏة تحمل الوعيد والڠضب 
_ وأنا موافق كلمي أمها وشوفوا يوم عشان نروح نطلبها بس اصبري يومين إكده أظبط

انت في الصفحة 1 من 5 صفحات