رواية صرخات انثى الفصل الثاني والثلاثون بقلم ايه محمد رفعت
يا عمران
اشرأب بعنقه للأعلى في محاولة لرؤية صديقه البائس فوجده يطفو من خلف ذاك المكتب المتهالك وبين يده لوحة بيضاء سميكة وبيده عدة أقلام ومسطرة ضخمة رمش بعدم استيعاب هل توجه للتصميم بأول جلسة جمعتهما!
استعاد ثباته المهدور مصدرا تنهيدة مقلقة
_أنا كنت جاي أستأذن حضرتك في أيوب معزومين أنا وهو على حفلة مهمة والصبح هيكون موجود في مواعيده.
_روح وعلى معادنا بكره.
لا يصدق ما إلتقطته آذنيه هل سمح له بالمغادرة أخيرا
ترك أيوب مقعده وهرول لحقيبته الصغيرة يجذبها وهرول للخارج كمن نجى بروحه من تابوت محكم الإنغلاق فتفاجئ بعمران ينتظره وما أن رأه حتى استقبله بابتسامة بلهاء
قابله الأخير بلكمة قاسېة أطاحت بالأخير أرضا فتمردت ضحكاته واستند على درابزين الدرج ليستعيد استقامة جسده ليجد الأخير يهرول للأعلى مرددا بحنق
_لو جيت ورايا هصفيك لدرجة أنهم مش هيلاقوا فيك حاجة ټدفن.
نفض الغبار العالق على بذلته ولحق به للأعلى يناديه ضاحكا
_طب استنى بس..يعني ده جزائي إني جيت وأخدت الأذن عشان تلحق تروش نفسه للحفلة
_اخفى من قدامي يا عمران أنا بقالي هنا عشر ساعات وحقيقي مش شايف قدامي من التعب والإرهاق لأ والاستاذ ممدوح ده على ما يبدو مكمل في شغله ومش همه والدي تقريبا من عمره وبيحتاج كام ساعة في اليوم يستريح فيها واتعشمت إنه يديني ساعه راحه لكنه ما شاء الله مستمر في الشغل كأنه ألة مش بني آدم ده حتى معاد خروج موظفين الشركة جيه ومازال مستمر!
_هو مطلعش يروح ليه ولا هيبات هنا
راقب عمران الباب السفلي وأشار لأيوب بتتبعه
_طيب تعالى نخرج من هنا وهحكيلك كل حاجة بس الأول حسام اداك الأكل والعصير
احتل الڠضب معالمه بشكل جعله كالقنبلة المھددة بالإڼفجار فأحاطه عمران بذراعيه ضاحكا
_خلاص بقى ميبقاش قلبك أسود.. وبعدين منتكرش إنك استفدت منه جدا بدليل إنك ما شاء الله من أول درس بتصمم بنفسك!
_ولو كنت اتاخرت شوية كنت هتلاقيني مع فريق التنفيذ بنفذ اللي صممته بنفسي! الراجل ده غريب تحس إنه إنسان ألي مش بني آدم!
دفعه برفق للمصعد فأبعده أيوب عنه بغيظ صعد بهما المصعد للأعلى وحرب النظرات سائدة بينهما حتى خرج به فتركه وغادر دون أن يستمع إليه.
أسرع عمران لسيارته يتبعه على محاذاة خطاه ففتح الشرفة الزجاجية يناديه
منحه نظرة مشټعلة وردد بانفعال
_امشي يا عمران بجد أنا مش ضامن رد فعلي على اللي عملته معايا النهاردة... امشي.
كسر الطريق عليه بسيارته ليصيح بحدة
_اركب ومتخرجش چنوني عليك.. أنت مش عاملي فيها راجل مكافح نخيت ليه من أولها
نظم أنفاسه الحاړقة حتى هدأ قليلا فاحتل المقعد المجاور له تحرك به عمران لشقة سيف والصمت الحائل بينهما فقطعه عمران مجددا حينما قال
_أيوب بلاش تفكر بالطريقة دي أنا عملت كل ده علشانك صدقني وعارف أنك بتفكر إني بعدتك عشان متختلطش بالمشاكل مع البنت اليهودية دي وأنا مش هنكر ده بس كمان عملت كده عشان تستفاد من خبرة أستاذ ممدوح بذمتك الكام ساعة اللي قضتهم معاه مستفدتش منه
ارتخت تعابيره المشدودة رويدا رويدا واعترف له
_استفدت جدا بس الضغط والإرهاق ده خلاني مش قادر أستوعب أغلب اللي قاله.
والټفت له يسأله باهتمام
_هو معندوش بيت ولا أهل يا عمران يعني بقالي معاه يوم كامل ومشوفتوش حتى طلع موبيله يكلم حد!
رد عليه بحزن وعينيه تراقب الطريق بعناية
_كان له بيت وأولاد اتغرب طول عمره عشانهم.. بنى ليهم بيت كبير وصرف على تعليمهم لحد ما دخلوا كليات كويسة وبعدها طلب من بابا الله يرحمه أجازة طويلة علشان ينزل ويقعد وسط أولاده بس بعدها باسبوعين رجع وهو حزين لانهم طلبوا منه يرجع تاني للشغل لان ابنه الكبير كان خاطب وعايزه يجهزله شقته ومصاريف الجواز.
واستدار يقابله بنظرة ألم وابتسامة فارقة
_جوازة ورا التانية وطلباتهم مش بتنتهي لحد ما أخد على الغربة والوحدة اللي هو بقى فيها أنا كنت جنبه لحظة بلحظة وسامع أغلب مكالمتهم ليه وطلباتهم اللي مش بتنتهي لحد ما استلمت الشركة واطمن أني قادر أديرها من غيره فنزل مصر وهو عنده النية ميرجعش تاني بس اللي حصله خلاه يرجع لندن تاني يوم..
سأله بفضول بعدما نجح الاخير بسحب كل اهتمامه لقصة ممدوح المؤلمة
_حصل أيه
رد عليه بحزن عميق
_ولاده ومراته لما عرفوا انه نزل بشكل نهائي طردوه من البيت ومحدش من عياله رضى يقعده عنده ولا يستقبله في شقته كلهم كانوا هيتجننوا ويخلوه يرجع تاني حتى وهو بالسن ده ولما رجع واتاكدوا إنه سافر تاني رجعوا يكلموه ويشدوا معاه ناعم من تاني بس هو رمى موبيله وبقى زي ما أنت شايف حياته كلها شغل..
وتابع پألم يطغي على نبرته المبحوحة
_قدمتله شقة فخمة وعربية ومكافأة مالية كبيرة اكراما لتعبه واخلاصه لأبويا الله يرحمه كنت بحاول أرد جزء بسيط من جمايله عليا الاستاذ ممدوح الشخص الوحيد اللي علمني يعني أيه راجل مخلص وابن اصول في حين إن بعد خالي وأهل أبويا أول ناس نهشوا فينا بعد ۏفاة والدي الله يرحمه وفجائني تاني لما رفض كل اللي قدمتهوله وطلب مني أسلمه الآرشيف وخزنة التصميمات والملفات المهمة ومن وقت للتاني خصص لنفسه أوضة صغيرة تحت فيها سرير صغير وحمام عايش فيها وبيشتغل ليل نهار ولو حاولت أساعده وزودتله مرتبه بيرجعلي الفلوس وبيتضايق جدا.
واستدار تجاه أيوب يخبره بحزن بالغ
_بحس إني عاجز ومش عارف أزاي أكافئه أو أردله جزء من جمايله... كل ما بشوفه قلبي بيتقطع عليه هو إنسان كويس وعظيم وميستاهلش اللي أولاده بيعملوه فيه ده.
تغلغل الحزن معالم أيوب بتمكن واحتقن صوته المتأثر بما استمع إليه
_الزمن ده بينجح إنه يفاجئنا باللي مخبيه الناس عادت وحشة أوي يا عمران اللي سمعته منك ده كبره في نظري وخلاني متحمس أكون معاه الفترة الجاية عارف إنه صعب يندمج مع أي حد وده باين جدا بس على الأقل هكون ونس ليه الفترة الجاية وبتمنى بس يخف عليا ساعات العمل لإني كده مش هتخرج من الجامعة هتخرج من الدنيا كلها.
ضحك الأخر وربت على كتفه يمازحه
_متخافش يالا عمران الغرباوي معاك ومش هيسيبك.
_علامة مسجلة إنت ولا أيه مش فاهم!
_بتتريق! طب خلاص هوديك الحضانه كل يوم الصبح ومش هروح أخدك.. هسيبك كده كل يوم معاه لحد ما تستنجد بالشيخ مهران تقوله يبعت حد ياخدك!
قالها بمرح جعل الأخير يضحك متغلبا على غيظه فتابعه وهو يصف السيارة أمام العمارة وأشار له
_اطلع غير هدومك وانزل بسرعة.. مش عايزين نتأخر أكتر من كده.
حرر حزام الأمان عنه وقال وهو يتثاءب
_ما تروح إنت وفكك مني.
دفعه للخارج بضيق
_انزل يا عم هي ناقصة رخامة سيف..ده كل نص ساعة يتصل عليا ويتمم إنك بخير ورايح معايا..مش بعيد لو ملقكش