رواية سجينة جبل العامري الفصل الثالث والعشرون بقلم ندا حسن
قالت لطاهر ولو هو متأخرش في أنه يوديني ورا الشمس مكنش زماني هنا دلوقتي
سألته بعينان متسعة عليه ترى كذبه وخبثه عليها
كل ده كنت بتكدب عليا
نظر إليها بجدية وعمق ثم سألها وهو يتقدم للأمام منها
فرحانه ولا زعلانه بالكدبة
لم تجيبه وبقيت تنظر إليه باستغراب أليس من المفترض أنه أكمل مسيرة والده كي يأتي بحقه أليس من المفترض أنه يثأر لوالده الذي قتل على يد الشرطة منذ سنوات وشقيقه الذي ذهب غدرا وحرمت منه وهو في ربيع شبابه..
كان يعلم ما الذي تفكر به وهو تناظره بهذه الطريقة القاسېة فتحدث ساخرا مبتسما بارهاق شديد
مبتردش ليه كنتي فخوره بابنك ومستنية مصيره يبقى زي أخوه وأبوه
أبوك اللي الحكومة قټلته وأخوك اللي اتاخد غدر
انفعل وهو يقترب للأمام أكثر بجسده يبغض ما تتحدث عنه ويبغض الخروج عن القانون يبغض ما فعله والده وشقيقه وتلك السمعة التي تركوها له من بعد رحيلهم.. يبغض أنه رجل قانون وهم خارجين عنه يبغض أنه تخلى عن حلمه لأجلهم
أبويا اللي قتل نفسه لما مشي في الطريق ده وأخويا مصيره كان لازم يبقى زيه لأنه شجعه وسهل ليه شغله بره وجوا مصر
سخرت منه وهي تعود بذاكرتها للخلف تتذكر شجاره الدائم مع والده وشقيقه تتذكر كم كان يكره ما يفعلونه وذلك اليوم المشؤوم الذي ترك الجزيرة به متخليا عن الجميع لأجل أن يسير في طريق نظيف
تابعها وهو يرى سخريتها الممېتة منه ألا يحق له أن يكون رجل ناجح نظيف برئ من كل التهم المنسوبة إليه ألا يحق له أن يكون شاب يسير في دروب الحقيقة والعدل! لقد وقع في طريق الظلام عنوة عنه وعندما أراد الخروج ترك ما يحبه ويبغاه
اديكي قولتي راجل القانون
أشار إلى نفسه بحدة كبيرة يتحدث بقسۏة وغلظة يخرج النيران الحبيسة داخل أعماقه منذ الكثير من السنوات ينتظر أن تعبر عن رضاها عما فعله
لازم تبقي فخورة بيا.. لازم تحسي إن ابنك مافيش زيه.. أنا حميت ناس كتير ووقفت مع ناس كتير.. أنا مستني نظرة رضا منك عن كل اللي عملته
تنهدت زافره الهواء بهدوء ونظرت إليه بعد أن فكرت في حديثه لدقائق بسيطة ينتظر بها ردها الفاصل لكل ما فعله
وأنا راضية عنك يا جبل مهما عملت.. صحيح أنت ذكي ومخلتنيش أشك فيك ولا مرة بس كنت حاسه أنك بتعمل حاجه صح..
ربنا يرضى عليك
ابتسم بارهاق وهو ينظر إليها پضياع لو تعلم أن والده كان على قيد الحياة منذ سبع سنوات واليوم حتى لقى حتفه على يد طاهر لو تعلم أنه هو الذي طلب منه إخفاء هذه الحقيقة لو تعلم أن الجالس أمامها ېموت قهرا روحه ټنزف ألما وقلبه يبكي بدلا من عينيه الظاهرة للجميع دماء..
تنهد بعمق محاولا الثبات أكثر تركها وصعد إلى الأعلى غير مصدقا أنه وصل إلى باب الغرفة فتح الباب وولج إلى الداخل لينظر إليها نائمة على الفراش يبدو أنها تغط بنوم عميق فالصباح أشرق منذ القليل..
تنهد للمرة التي لا يعلم عددها وهو يشعر بالعجز دالفا إلي الداخل يجلس على الفراش يعطيها ظهره..
وجد من يحيطه من الخلف فاستدار ينظر إليها ليجدها جلست على الفراش تغمره لا يدرى متى استيقظت فسألها باستغراب
كنتي نايمة
حاوطته بيدها وغمرته بقلبها تجيبه بهدوء تحاول أن تزيل النعاس
لأ أنا صاحية لحد من شوية بس غفلت.. كلمتك كتير أوي موبايلك كان مقفول
تابعت مظهره الغير مهندم وملابسه المتسخة غير مظهره الذي لا يوحي بالخير فتفوهت مستفسرة
عملت ايه مال شكلك متبهدل كده
جذبها من معصم يدها لتبقى جواره ثم مال بجسده عليها يلقي برأسه على صدرها ويلقي بأحزانه في محرابها تستقبل هي عباراته بكل رحابة صدر تبتسم لأنها المكان الأمن والمحبب بالنسبة إليه..
خللت أناملها بين خصلات شعره تفعل ما يحب تلتزم الصمت ليعبر عن مكنون قلبه وما يريد البوح به هو..
بقي هكذا لوقت طويل يتنفس بعنق تخرج العبرات من عينيه دون صوت فقط تستمع إلى أنفاسه الخارجة منه يشعر بقلبه يعتصر داخل صدره ولكنه يستمر دون حديث ودون أي شيء منها ينتظر قائلا ليفرغ شحنة ڠضبة وحزنه وحرمانه ثم يعود واثقا شامخا ينظر إليها وهو رجل قادر وواثق..
حركت يدها الأخرى عليه بحنو ولين تحسه بالاطمئنان والأمان تجعله يشعر بأنها جواره في كل الأحوال تنتظر الحديث لتستطيع أن تخفف عنه وتواسيه.. وهو هكذا فقط تربت على أحزانه ونظراته المنكسرة لا شيء غير ذلك.. فقط تنظر إلى ما يصدر عنه تشعر بأن هناك حمل ثقيل يحمله وحده فوق أكتافه ويبدو أنه أكبر بكثير من المرة السابقة..
إلى هذه الدرجة تخلل الحزن قلبه وتغلب عليه الألم والقهر إلى هذه الدرجة لم يعد قادرا على التحمل ليلقي كل آلامه هنا بين أحضانها صامتا لا يخرج منه شيء سوى أنفاس وعبرات محترقة لا يسمح لها بالخروج أبدا مهما حدث..
بعد وقت آخر مر وهو على نفس الحال رفع وجهه إليها بعدما شعر أنه أصبح أفضل من ذي قبل ينظر إليها پألم تنساب الحړقة من عيناه دون أي مجهود منه ليصل إليها..
سألته واضعه يدها أعلى كف يده على الفراش تضغط عليه لتشعره بوجودها
ايه اللي حصل
تنهد بعمق ناظرا إليها بسخرية
ايه اللي حصل.. سؤال بسيط بس الإجابة صعبة أوي يا غزال
ابتسمت بهدوء قائلة برفق
هسمعك
زفر الهواء بحدة وعاد للخلف يستند إلى ظهر الفراش ينظر إليها ثم بدأ في الحديث يقص عليها كل شيء من البداية بعد أن انكشف سره إلى الجميع لما هي لا
أبويا هو اللي كان تاجر سلاح.. بيساعده يونس يونس اللي طمع في الفلوس والجاه والغنى وأنه يبقاله كلمة مسموعه وسط الناس كبرها في دماغه ووسع نشاطه بقى أكبر تاجر سلاح في البلد..
كانت تستمع إلى حديثه بعينان دامعة وقلب ېنزف كرها إلى هذه الدرجة كانت غبية مخدوعة به إلى هذه الدرجة مر عليها سنوات معه ولم تستطع أن تفهم ولو مرة واحدة أو تشك بأنه يفعل أشياء غير قانونية يطعمها هي وابنتها بمال محرم مغطى بدماء الكثير من الأبرياء.. ودوما كان يحذرها من جبل وكأنه هو الذي يأخذ مكانه وذلك البرئ يونس لا يوجد مثله رجل وقور مثقف ومهذب!..
شعر بما تفكر به ورأى نظرة الألم والحسړة مرتسمة على عيناها الدامعة ليكمل بجدية حزينة ونبرة خاڤتة ساخرة
محسوبك كان محامي كان حلمي إني ابقى محامي أدافع عن المظلوم وابقى