ولا يملك ابنا سواه هو فقد رزقه الله به بعد طول عقم وهو في الخامسة والأربعون من عمره وتوفت والدته بعد ولادته بثمانية أعوام فقط ليحيا هو وأبيه بمفردهما ولا ثالث لهما سوى الوحدة.
فاق من شروده على نظرات أبيه المتفحصة لوجهه فابتسم إليه بحنان وسرعان ما باغته الآخر بسؤاله الذي لا ينفك عن قوله
أخبرني متى ستتزوج وتأتي لي بأحفاد ېقتلون وحدتي لقد شارفت على الثلاثين من عمرك
حينما يأذن الله
تنهد بقوة قبل أن يجيبه بإجابته المعهودة وعقله يبتسم على ذلك العمر الذي نسبه إليه والده ويراه بهذا قد تخطى العمر المناسب للزواج فكيف سيفعل إذا إذا علم أن ولده قد أتم الخامسة والثلاثون قبل أسبوعين من اليوم.
نهض متجها إلى الداخل وهو يخبر والده بأنه سيحضر الطعام الذي كان قد ابتاعه جاهزا وسيأتي إليه ليتناولاه معا.
في إحدى غرف أحد البيوت الطينية المتهالكة التي أوشكت على السقوط الذي يراه للمرة الأولى يعتقد بأن هذا البيت لا يسكنه أحد ولكن بداخله كانت هناك فتاه تنحنى بضعف أمام أحد الأفران البلدية وتخرج الخبز منه بيدها بينما ذراعها ترفعه قليلا على جبينها لتمحى بأكمامها قطرات العرق التي تملأ وجهها بينما تبتلع ريقها بإرهاق شديد وهي تشعر بالعطش يهبش بدنها وكيف لا وهي تصوم منذ فجر اليوم دون سحور قبله فلم تهنأ معدتها في اليوم السابق سوى بلقيمات قليلة قد تقيأت بها حينما أخبرها والدها بأن زواجها سيكون لأول رجل يتقدم لخطبتها تشعر بالندم يتمكن منها بسبب تلك الحمرة التي قد زينت بها وجهها ولسوء حظها دلف إليها والدها وسرعان ما باغتها بالركلات القوية ناعتا إياها بقليلة الحياء بل وحكم عليها بالصوم لمدة أسبوع كامل كعقاپ لها على الذنب الذي اقترفته بالنسبة له بل وأخبرها غاضبا بتعجيل زواجها لا يعلم بأن ما فعله معها ليس سوى تحريم لما أحله الله لعباده فإن كانت الزينة محرمة للنساء في بيوتهن أمام محارمهن فلمن تحل إذا!
نهضت بعدما انتهت من تسوية جميع العجين الذي كان متراكم أمامها قبل ساعات لتشعر بجميع بدنها يتألم بعد وقوفها وكأنه يشكو لها عما تفعله به دون رحمة نظرت إلى تلك الساعة المعلقة بالحائط لترى الساعة ولكن الإحباط قد أصابها وهي تجدها مازالت الثالثة عصرا والمغرب لم يحن أوانه بعد.
استمعت إلى طرقات هادئة على باب المنزل فالتفتت تتجه إلى الخارج لترى من الطارق ولم تكن تسير خطوة واحدة حتى وجدت شقيقها ذو الخامسة عشر من عمره يدلف بعدما أهداها ابتسامة حانية تلك الابتسامة التي تجعلها تحتمل الكثير والكثير مما تعانيه من قسۏة أبيها تأملها شقيقها قليلا قبل أن يسألها برفق مصحوب ببعض القلق
ما به وجهك مارية لما أشعر بالشحوب يتحدث نيابة عنه
ابتسمت بهدوء