رواية ميثاق الحړب والغفران الفصل الواحد والعشرون بقلم ندى محمود توفيق
التفكير والهموم التي تلازمه.
بصباح اليوم التالي......
دخلت جليلة على غرفة أحفادها ووجدت معاذ يجلس فوق فراشه يذاكر دروسه رغم أن اليوم إجازة من الدوام المدرسي لكن موعد الدرس الخصوصي بعد ساعات ويجب عليه حل واجبه قبل الذهاب للدرس.
جلست بجواره على الفراش وقالت مبتسمة
_درسك مېتا يامعاذ
معاذ بنبرة طبيعية
_الساعة 12 ياستي
_طيب تلفونك اللي چايبهولك أبوك معاك
نظر لها وهز رأسه بالإيجاب ليسمعها تسأله مرة أخرى بنظرة ضائعة
_معاك رقم عمتك آسيا
عاد وهز رأسه لها بالإيجاب مرة أخرى دون أن يفهم سبب اسألتها بينما جليلة فقد لمعت عيناها وظهر وميض مختلف بهم قبل أن تقول بجدية
_ طيب اتصل بيها دلوك واطمن عليها
معاذ بكل عفوية وابتسامة جميلة
هزت بالرفض وقالت مسرعة في حدة
_ لا مينفعش اكلمها أنت كلمها وأنا هقعد چارك وافتح اللي اسمه مكبر الصوت ده عشان اسمعها
كان يحدق بجدته في استغراب وجهل لسبب رفضها التحدث مع ابنتها لكنه نفذ ما طلبت والتقط هاتفه وراح يبحث عن رقم عمته وفور عثوره عليه كان سيضغط على اتصال لكن جليلة امسكت بيده وقالت تحذره بصرامة
هز رأسه بالموافقة لجدته وهو يزم شفتيه بعدم فهم ثم ضغط على زر الاتصال ومن بعدها ضغط على فتح مكبر الصوت فارتفع صوت الرنين وهم ينتظرون الرد من آسيا التي أجابت بعد وقت
_الو مين
ابتسم معاذ ورد بتلقائية
_أنا معاذ ياعمتي
تهللت أسارير آسيا على الجانب الآخر وقالت بحنو
_ ده تلفوني أبويا چبهولي عشان اكلمه لما أكون عاوز حاچة وهو مش في البيت
ضحكت بخفة بينما معاذ فنظر لجدته وهو يسألها بنظراته ماذا يقول فأشارت له أن يتحدث بأي شيء.. فعاد للهاتف وسأل عمته بشوق فور تذكره أمه
_أمي عاملة إيه.. هي چارك
تبدلت نبرة آسيا من المرح واللين لأخرى عابسة وهي تجيب ابن أخيها
رد على عمته بخنق وقرف
_لا احنا أصلا مش بنكلمها ولا بنقعد چارها في مكان واحد
سمع عبارة آسيا القوية وهي تقول بفخر
_چدع ياواد خليكم إكده علطول اوعاكم تضحك عليكم بكلمتين
ثم همست بين نفسها بصوت منخفض في غيظ
كانت جليلة تستمع لها وعيناها غارقة بدموع الشوق والحب لم تهتم لتحريضها لابن أخيها على زوجة ابيه التي اختارتها هي له.. هي فقط كانت تشبع قلبها من سماع صوت ابنتها التي غاب عنها لوقت طويل.. وتدخل السکينة والطمأنينة له بعد الأحلام المزعجة التي كانت تراودها الأيام السابقة عن ابنتها سمعتها بالنهاية بعد وقت من تحدثها مع ابن اخيها وهي تقول له بحنو
_أنا هقفل عشان خالك عاوزني وأنت خد بالك من أخوك وبعدوا عن الحرباية اللي اسمها منيرة دي
ضحك على نعت عمته لزوجة أبيه بالحرباء وودعها بكل حب ثم انهى الاتصال وعندما الټفت تجاه جدته وجد وجهها غارق بالدموع فاتسعت عيناه بدهشة ولم يلبث ليسألها ماذا بها حتى وجدها تنحنى على رأسه بحنو هامسة في صوت مبحوح
_كمل مذاكرتك ياولدي عشان تلحق تخلص قبل درسك
ثم استقامت واقفة وغادرت تتركه يفكر بفضول وعدم فهم لكنه لم ينشغل بالتفكير كثيرا وراح يكمل مذاكرته...
وقف عمران أمام باب غرفة فريال ورفع يده يطرق عدة طرقات خفيفة متتالية وينتظر ليسمع صوتها الذي أتاه بعد لحظات ففتح الباب ودخل بكل هدوء ثم اقترب منها وجلس على طرف الفراش بجوارها وراح يتمعنها بنظراته الدقيقة كانت تماما كالجسد الذي بلا روحعيناها منتفخة من فرط البكاء ونظراتها ضائعة ووجها كالزهرة الذابلة فتنهد الصعداء بضيق وفرد ذراعه يلفه حول كتفيها ويضمها لصدره مقبلا شعرها بحنو هامسا
_ميستاهلش تعملي في روحك إكده عشانه يافريال
هتفت بصوت يغلبه البكاء
_عمري ما كنت أتخيل أن چلال يعملها ويتچوز عليا مهما حصل بينا ده كان لما كنت بچيب سيرة المۏت وأقوله لو مۏت متفضلش لحالك واتچوز أنا مسمحاك كان بيتعصب من مچرد ما يسمع كلمة چواز ولا فراق
ابتعدت برأسها عن صدر أخيها وتطلعته بعينين تملأها العبرات
_كيف عملها ياعمران.. كيف قدر يتچوز عليا كسر قلبي وعمري ما هسامحه على اللي عمله فيا
مال عمران برأسه على وجهها وقبل جبهتها بكل دفء هاتفا في لهجة رجولية لا تحمل المزاح
_ابويا كان عنده حق هو وأمي لما كانوا عاوزينك تطلقي منه.. أنا كنت رافض عشان عارف انكم بتحبوا بعض بس بعد اللي عمله هو ميستهالكيش
أجفلت نظراتها أرضا وردت بعجز وقهر
_أنا دلوك مش بفكر في أي حاچة ياعمران.. هملوني لحالي لغاية ما أهدى وارچع كيف ما كنت وبعدين هقولكم أنا عاوزة إيه
تنهد الصعداء بقوة ثم أجابها بجدية
_طيب خدي وقتك يافريال بس اعملي حسابك أن أنا أول واحد هيقف قصادك لو فكرتي ترچعيله.. بعد الحالة اللي أنا شايفك فيها دي معدش چوازك منه ليه فايدة اللي يزعلك ويدوسلك على طرف كأنه داسلي أنا على طرف وحسابه معايا عسير
أنهى عبارته وعاد ينحنى عليها من جديد يلثم رأسها متمتما ببسمة جميلة
_قومي يلا عادي اغسلي وشك وطلعي روحك من الحالة دي عشان عيالك.. مش عاوز آجي تاني اشوفك على نفس الوضع
تطلعت لأخيها بامتنان وحب صادق وهي تبتسم له وتوميء بالإيجاب على طلبه.. بينما هو فألقى عليها نظرة أخيرة ببسمته ثم انصرف وغادر غرفتها...
كانت آسيا بطريقها للطابق الأرضي حيث المطبخ وأثناء مرورها من جانب غرفة منى سمعت صوتها تهتف
_ آسيا !
توقفت آسيا وبقت مكانها دون حركة وقد تبدلت ملامحها للاشمئزاز وبعد لحظات استدارت بجسدها نحوها وهي تتأفف عاقدة ذراعيها أسفل صدرها بينما الأخرى فكانت تتطلعها مبتسمة بشيطانية وتقف داخل غرفتها.. لوت آسيا فمها بنفاذ صبر بعدما فهمت أنها تريد التحدث معها بالغرفة بعيدا عن مسامع وأنظار الجميع فتقدمت نحوها ودخلت الغرفة لتقف عند عتبتها مردفة بقرف
_خير عاوزة إيه ولا لساتك محرمتيش من حبسة الأوضة
ضحكت منى بلؤم وسألتها بكل تبجح
_عمران عمل إيه لما عرف إنك حبستيني
طالت نظرة آسيا الممېتة لها قبل أن تبتسم بثقة وتجيبها
_باس على راسي وقالي ولا يهمك ياروح قلبي.. في ناس متربتش إكده تستاهل أحيانا
رغم نيران الأخرى التي اشتعلت لكنها حافظت على برود أعصابها وتابعت في محاولاتها لإثارة جنون آسيا حيث هتفت بعين تلمع بوميض المكر
_وياترى بعد اللي هتعمليه دلوك هيسكتلك كمان ويقولك ولا يهمك ولا هياخد موقف
لم تفهم تلمحياتها الشيطانية لكنها بالفعل كما توقع منى ثارت وهاجت عواصفها حيث اندفعت نحوها وانقضت عليها تقبض على ذراعها بكل عڼف صائحة بها
_شكلك مش هتجبيها لبر معايا.. وقولتلك مېت مرة خليكي بعيدة عن جوزي بس باينلك مش بتفهمي بالحسنة ولازم تشوفي وشي التاني
كان الثبات الأنفعالي والهدوء يستحوذ على منى بشكل غريب حتى أنها ضحكت بقوة ودفعت يد آسيا عنها وتقهقهرت بخطواتها البطيئة للخلف وهي تبتسم بخبث.. لكن ما حدث بعد كان أكثر صدمة بالنسبة لآسيا !
رأتها تندفع نحو حافة الخزانة الخاصة بها وټضرب جبهتها بها وسط